Introducing Agile Management
أن نتعلم من نجاحات الآخرين لتحسين أعمالنا
وتجويدها هذا مطلبٌ شرعيٌ يحبه الله منا اذ يقول نبينا صلى الله عليه وسلم (ان
الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) والله كتب الإحسان على كل شيء ، وما
أحوجنا أن نطبق هذه المعاني في إدارة أعمالنا المؤسسية سواءا كانت دعويةً أو
خيريةً او استثماريةً.
فهل يا تُرى فكرنا الاداري لقيادة العمل
الاسلامي يطور نفسه في تصوراته الادارية وممارساته العملية في ادارة فرق عمله بما يتناسب مع واقعنا المعاصر لتحقيق نتائج أعلى
تتسم بالجودة والفعالية تفوق ما اعتدنا عليه. نعم الادارة الرشيدة عنصرٌ أساس لنجاح
أعمالنا ونمائها وكي تكون رشيدةً ، فلابد لها أن تكون رشيقةً. في هذه المقالة أريدها
مقدمةً في الادارة الرشيقة (Agile Management) وهو مصطلح حادث لفكر إداري غير تقليدي لكنه
برز بصورةٍ نتائجُها مدهشة ، ولعل هذه المقالة تكون تحميسا لمزيد من النظر والفكر والنقاش
بين قيادات العمل في مجتمعاتنا حول هذا الموضوع طمعاُ أن نرتقي فكراُ وسلوكاُ في
إدارتنا لأعمالنا.
باديء ذي بدء، الإدارة كما تعلمناها
وتُدرِّسها الجامعات أصبحت مفاهيمُها وبنيتُها الأساسية محل استفهام ونظر في ظل
التطورات المتسارعة في عالم الاعمال وحياة الناس وفي ظل الثورة الصناعية في نسختها
الرابعة (Industrial
Revolution 4.0) ، فما كان وسيلةَ ناجحة
بالأمس أصبحت اليوم في عداد الموتى لا قيمة له (الكاسيت الدعوي مثالا) . أهتمامات
الناس تغيرت وجواذب الحياة ومؤثراتها امست ألواناً لم نعهدها من قبل حتى أسكرت
القلوب وأعمت البصائر (الفيسبوك واخواتها مثالا). كثير من مشاريعنا الدعوية لا
تزال تُدار بصورة نمطية تقليدية لا تتناسب مع العصر ولا تنطلق من صوت العميل لتلبي
حاجاته ، إدارتها مركزية يحتاج العاملين فيها دوما الرجوع الى من فوقه للتاكد من موافقته
ولذلك تعاني من التأخر وضعف النتائج. في هذه المقال ساعرض تطورا إداريا برز نجمه في
ادارة فرق العمل على مستوى التصور الفكري والممارسة العملية أثبت كفاءةً عالية في
سرعة الانجاز ونفع نتائج مشاريعه للمنتفعين بها بصورة أدهشت العالم بل وساهمت في
تغييره. فلم لا نستفيد من هذه المنظومة الجديدة من القيم والمباديء والممارسات الادارية الناجحة
لنطور من انفسنا وأعمالنا لنقدم للناس منتجات دعوية نافعة بصورة سريعة ومتكررة.
بدايات التغيير كانت بعد الحرب
العالمية الثانية ومن اليابان، خصوصا في شركة تويوتا التي تبنت مفاهيم وممارسات
إدارية مختلفة تماما عن مفاهيم الإدارة الغربية وممارساتها .. هذه الممارسات
والفلسفة في ادارة فرق العمل والتي كانت سببا رئيسا في تفوق الصناعة اليابانية حتى
أصبحت تويوتا في أواخر السبعينات تهديدا لصناعة السيارات الأوروبية والأمريكية في
عقر دارهم ، عندها بدأ الاهتمام لدى الغرب بدراسة طريقة تويوتا في العمل (Toyota Way) ومنهجهم في
الإنتاج (Toyota Production System) والتي سماها الأمريكيون
مصطلحا شاع بعدها وهو (Lean
Management) .. وكان شعارهم في
الثمانيات اننا قادرون على اللحاق بهم اذا تعلمنا ممارساتهم واخذنا باسباب نجاحم
وتفوقهم. وأمتنا الاسلامية وروادها من قيادات العمل الاسلامي أحوج أن تأخذ بمثل ما
أخذوا من أسبابِ إدارية كان الاثر البالغ للنهوض ثانية ومزاحمة الامم بأعمال
ومشاريع نفعها يساهم في نجاة البشرية وسعادتها.
الإدارة الرشيقة (Agile Management ) وُلدت من رحم ما سماه
الامريكان بــِ Lean thinking and lean principles واستفادت
من ممارساتها العملية ، والتي بدأها مهنيون في صناعة البرمجيات (Software developers) .. فما هي بداية القصة؟
كانت المنهجية الأساس في ادارة
مشاريع البرمجيات هي منهجية العمل التسلسلي والذي يمر في مراحل وبوابات للمراجعات
والموافقات بحيث لا تنتقل لمرحلة حتى تنتهي من التي قبلها وتحصل على الموافقات
المطلوبة ثم تنتقل للتي بعدها حتى الفراغ من المشروع وتسليم المنتج النهائي للعميل
.. العمل وفق هذه المنهجية المعروفة ب (predictive
or waterfall ) كلفت صناعات البرمجيات خسائر
هائلة في الثمانيات وبداية التسعينيات، .. الذي حصل ان عددا من هؤلاء المهنيون الرواد
في صناعة البرمجيات تمردوا على هذا الأسلوب في ادارة فرق عملهم ، وكلٌ منهم خاض
تجربة ، كانت نتائجه أفضل ، فسجلوا تجاربهم وكتبوا عنها وعرضوها في الموتمرات ، ثم
حدث أن سبعة عشر مبرمج من هؤلاء الرواد قرروا الالتقاء في منتجع سياحي في يوتاه في
فبراير ٢٠٠١ وكان هذا اللقاء هو الانطلاقة الرسمية لهذا التوجه الإداري الجديد
والذي سماه هؤلاء الرواد السبعة عشر ب (Agile) والذي كان فيه الإعلان الأساس للقيم
الأربعة والمبادئ الاثني عشر في وثيقة سموها (Agile Manifesto ) وهي موجودة على موقع خاص
(https://agilemanifesto.org/) وهي تمثل حجر الأساس لهذه الفلسفة
الإدارية الحديثة .. صحيح ان البدايات كانت متعلقة بإدارة مشاريع البرمجيات لكنها
مع الوقت أصبحت مفاهيمُها ومبادؤها وممارساتُها تُطبق في مجالات الاعمال الأخرى لنجاعتها واتساقها مع الفطرة وحاجات
العاملين ، من هذه المنظمات شركات السيارات (تسلا مثالا) وشركات التقنية
والاتصالات (ايركسون مثالا) وشركات الكمبيوتر (مايكروسوفت مثالا) وشركات كثيرا لا
تحصى بل حتى في القطاعات الخدمية كالبنوك (بيركلي مثالا) وحتى في قطاعات التعليم
والمدارس (فنلندا مثالا) ... في برامجي
التدريبية التي أقدمها أوظف عددا من هذه الممارسات وأجد لها أثرا بليغاً في تفاعل
الحاضرين وجماستهم للتعلّم وحضورهم في النقاشات والتمارين.
الادارة التقليدية كما تعلمناها في
كليات الإدارة تقسم الناس في المنظمة إلى الإدارة والموظفين .. الناس اللي في
الإدارة خاصة الادارة العليا وظيفتهم التفكير الاستراتيجي وحل المشاكل ووضع
السياسات إلخ ، وغيرهم من الموظفين عملهم التنفيذ لهذه السياسات! المدراء فقط لديهم
الصلاحيات لاتخاذ القرارات وتتعامل بسرية لكثير من المعلومات لا يعلمها الا من
لديه التصريح لذلك ، والدور الأساس للإدارة هو تحقيق الربح وتعظيم الفائدة لملاك
الأسهم اذا كانت الشركة ربحية مثلا.
الإدارة الرشيقة تهدم هذا الفكر و
تعامل الناس العاملين في المنظمة وان كانوا في ارض المصنع باحترام اكبر وتتطلع
للاستفادة من افكارهم وتوفر لهم اجواء عمل يشعرون فيها (اي كل العاملين) بدورهم
ومسؤوليتهم في تطوير العمل وحل مشاكله لتحقيق إنتاجية اعلى وسلاسة في عملياتها بلا
هدر ولا جهد يضيع بلا قيمة حقيقة للعميل .. التعلم المستمر في بيئة العمل سمة
أساسية تبرز في ممارسات يتبناها اصحاب هذه المدرسة من ذلك أسلوب يسمونه (pair programming) العمل بصورة زوجية فلا
يوجد اعتمادية احادية على شخصية جامعة للخبرة والمعرفة (no towers of knowledge ) ، وفرق العمل المكلفة
بالمشروع تكون صغيرة في عددها وتملك جميع المهارات المطلوبة لانجاز العمل المطلوب
ولديها صلاحيات كاملة في كيفية ادارة عملها بينها بلا تدخل او توجيه من خارجها (self organizing teams) وتراجع نفسها باستمرار
لتحسين طريقة عملها (retrospective)، والإنجاز
يكون في جولات قصيرة ما بين أسبوع إلى أسبوعين مثلا يسمونها ( iteration or sprint) بحيث يتم عرض ما تم
انجازه على العميل (customers ) ومالك المنتج (product owner) لتلقي رأيهم ومتطلباتهم
بحيث يتم عمل اي تغيير او اضافة مطلوبة بسرعة وهكذا يتم بناء المشروع بصورة
ديناميكية iteratively
and incrementally بحيث كل جولة من جولات
العمل تلبي احتياجات العميل وطلبات التغيير بسرعة وفعالية .. اعلى أولويات الفريق
هو تقديم منتج وخدمة نافعة للعميل تُفرحه وتدهشه بصورة سريعة ومتكررة للاستفادة من
ملاحظاته والعمل على متطلباته
للاستزادة حول منهجية أساسية اسمها scrum يمكن مطالعة كتاب Jeff Sutherland وهو احد المؤسسين لها
وعنوان كتابه Scrum; The
Art of Doing Twice the Work in Half the Time وهو موجود تسجيل صوتي أيضا
منهجيات الأجايل كفلسفة وأسلوب
ادارة غير تقليدي يتبنى قيم الوضوح والشفافية فلا يوجد اجتماعات مغلقة (اجتماعاتهم
كلها متاحة للجميع) ولا اسرار ومعلومات غير قابلة للنشر فكل شي يعملونه ينشرونه بل
ويعلمونه للآخرين ولو كانوا منافسين بل يتعلمون من بعضهم البعض .. اقرأ مثلا كتاب Joy,
Inc لصاحب شركة Menlo Innovation مثالا .. ويستخدمون
أدوات بصرية بسيطة غير تقنية لكنها عملية جدا لعرض أعمالهم على لوحة حائطية task board or Kanban board موجودة في مقر عمل الفريق يستطيع اي شخص
زائر لموقع الفريق النظر اليها والتعرف على وضع المشروع كاملا بدون السؤال
المدير في هذه الفلسفة الادارية ليس
شخصاً يأمر وينهى ويتمتع بمكتب فاخر في أفضل زوايا الشركة بل هو عضو في الشركة
دوره الأساس خدمة العاملين في فرق المشاريع وتوفير جو عمل يمكّنهم من التفكير
والإنجاز فالدور القيادي للمدير هو (servant
leadership ) ومقولة العرب (سيدُ القومِ
خادمُهم) منطبقة في الادارة الرشيقة.
عودٌ على بدء ، هذا التوجه الإداري
الجديد استفاد من الممارسات الناجحة التي استعملتها تويوتا في صناعة السيارات (lean management ) وغيرها من الشركات بل
واستلهمت الكثير من المفاهيم من الأنشطة الرياضية كألعاب الدفاع عن النفس martial arts وكرة ال Rugby .. ومؤلف كتاب scrum استعرض تاريخ تجربته
خلال اكثر من ثلاثين سنة من حين كان طيارا حربيا في فيتنام
صاحب كتاب The Age of Agile يرى ان هذا هو المستقبل
الإداري الذي تسعى الشركات لتبنيه في ظل المتغيرات السريعة في التقنية وطلبات العملاء
والعاملين إلخ .. الأسلوب التقليدي للإدارة عاجز ان يواكب هذه المتغيرات .. ولذلك
ستشهد الأيام القادمة (كما شهدنا ذلك في سنوات ماضية قريبة) ان الشركات التي لا
تواكب المتغيرات ستغيب وتندثر ب الشركات الرشيقة والتي تسعى لتغيير العالم وتقديم disruptive technologies .. شركة ابل واوبر مثال
الغرض الأساس من هذه المقدمة التعريفية
للادارة الرشيقة هو اثارة الحماسة والرغبة
لدى رواد العمل الاسلامي للسؤال والبحث في الموضوع، رغبةً في الاستفادة من هذه
المنهجية الادارية في منظومتها القيمية ومبادئها وممارساتها العملية ، ففيها خيرٌ
كثير لو أخذنا بها ووظفناها في مشاريعنا ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها
وانتفع بها
أيمن النجار
1 ذو الحجة 1443 ه
No comments:
Post a Comment