فن التواصل مع الطفل (الحلقة 1)
السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته ... وحيّاكم الله جميعا معنا في هذه اللقاءات والتي سوف نسلط الضوء فيها على مهارات مهمة وفنون أساسية في التواصل الحسن مع الطفل ابتداءا من الطفولة المبكرة ... يعني ما دون سن السادسة ... سن دخول الطفل الى المدرسة ... السؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان البعض ... ليش الطفولة المبكرة بالذات؟ ... لعل الكثير منا يعاني مثلا من صعوبة اتواصل مع الطفل في مرحلة المراهقة (كما يسمونها) وما بعد ذلك ... هذا صحيح ... مرحلة المراهقة والبلوغ لها خصوصية كأي مرحلة في حياة الطفل وكل مراحل حياة الطفل مهمة ... كل مرحلة حياتية لها خصوصية في التكوين والحاجات والتحديات ولذا تحتاج منا إلى فهم خاص واهتمام نوعي يتناسب مع طبيعة المرحلة ... ولكن الحالة التي يصير إليها الطفل في هذه المرحلة وعلاقتنا به هي ثمرة ونتاج تواصلنا معهم منذ طفولتهم المبكرة ... ولذلك أحببت البدء بذلك ... ولعلنا في سلسلة حلقات قادمة نخصصها بإذن الله للفئات العمرية التالية من 6 سنوات إلى 10 أو 11 وحلقات أخرى للمرحلة التي هي من سن الـ 11 و 12 إلى سن الـ 18 وما بعد ذلك بقليل ... لكننا في هذه اللقاءات أريد أن أتكلم معكم عن الطفولة المبكرة ... كيف نتواصل معها ... ما هي الفنون والمهارات التي نحتاج أن نراعيها كي نحسن التواصل مع الطفولة المبكرة ... نريد أن نسلّط الضوء على هذه الجوانب التي يقع فيها الاهمال والتفريط من جانبنا ... ولكن قبل ما نتكلم عن هذه الفنون والمهارات، بعدنا ما جاوبنا على سؤالكم ... ليش الكلام عن ها الموضوع بخصوص الطفولة المبكرة؟
السنوات الأولى من حياة الطفل مهمة جدا في بناء شخصيتة وصحته النفسية والذهنية ... بل ربما هي السنوات الحقيقة التي تتشكل فيها شخصية الطفل وقدراته اللغوية والعقلية والنفسية بنسبة كبيرة قد تصل الى 80% ... إذن الطفولة المبكرة هي وقت النمو الحقيقي والتطور للطفل وكل ما نزرعه في الطفل خلال هذه السنين الأولى تترسخ فيه وتحدد معالم شخصيته بعدئذ ... ولعل الكثير من المشاكل التي يعاني منها الانسان كبيرا أسبابها الحقيقية تعود إلى سنوات الطفولة الأولى! ... ولذلك فإن من أعظم مسؤلياتنا كآباء وأمهات ومربين أن نوّفر لأطفالنا بيئة صحية كي نحقق لهم نموا صحيحا وقويا ... بيئة تغذّي أرواحهم وعقولهم وليس فقط أبدانهم ... دورنا أساسي لا يمكن أن نتنازل عنه لغيرنا مهما كان وأسوء ما نقدمه للطفل أن نُسلمه للتلفاز أو الخادمة أو الحضانة كي تملأ فراغاً أحدثناه بسبب انشغالنا عن الطفل أو إهمالنا القيام بواجباتنا نحوه ... وللأسف يا أحباب أن هذا واقع أليم موجود في مجتمعاتنا الحاضرة ... التي تجد كلا الزوجين يعمل ...
ولذلك أرى ضرورة – بادئ ذي بدء - أن نقف وقفة مهمة هنا مع النفس نكرر هذا المعنى في داخلنا كيما يستقر ... نحتاج – معاشر الآباء والأمهات – أن ندرك أهمية الدور والمسؤؤلية المناطة بنا ... لأن التغيير يبدأ بنا نحن، نحتاج أن نراجع أنفسنا ... ما هي نظرتنا تجاه الطفولة المبكرة ... كي نتعامل مع أطفالنا في سنوات الطفولة المبكرة ... كيف نتواصل معهم ... كيف نتكلم معهم ... كي نتعامل مع حاجاتهم النفسية ... ما مدى اهتمامنا بهم ... نحتاج الفرصة والوقت كي نفكر في هذه المسألة ونحاسب أنفسنا ... هذه الطفولة المبكرة تحتاج منا أضعاف الجهد والاهتمام الذي نبذله معهم اليوم ... ولا يليق بنا أن نتابع حياتنا من غير أن نصحح مسارنا فيه ... تدرون ليش لازم الآن نتعامل مع هذه القضية ونصحح طريقة تعاملنا وأسلوب تواصلنا مع الطفل في طفولته المبكرة ... لأن هذه الطفولة المبكرة متى ما انتهت ومضت فإنها لا تعود ... لا المال ولا المناصب ولا الوجاهة ولا الوناسة ... لا شيء ممكن يرجع بالزمن كي نحسن التواصل والبناء في الطفولة المبكرة ... ولذلك يا أحباب ... أي إنسان (أب أو أم) الله أنعم عليه بطفل وهو الآن في سنوات طفولته الأولى ... استغل هذه الفرصة وانتبه لها ... ويا ليت تسمع ما سأحدثك به استمع جيدا كي يعيه قلبك .. عسى الله أن يكتب به النفع .. آمين
مثل ما ذكرنا .. واقع البعض منا يحتاج إلى وقفة ... الأم مشغولة ... إمّا بوظيفة أو بأعمال المنزل أو بالترفيه عن نفسها بالحديث مع النساء وزيارة الأصحاب إلى غير ذلك ... لا نريد التعميم ... الحمد لله .. الناس بخير .. واللآتي يقمنّ بالواجب ويدركن مدى المسئولية موجودات والحمد لله ... فكم رأينا أمّا تبدأ مع طفلها تُقرؤه القرآن وهو ابن ثلاث ... ولا يبلغ السابعة أو الثامنة إلا وقد أتمّ حفظ كتاب الله عن ظهر قلب ... أم مسؤولة قائمة برعاية هذه الامانة حق الرعاية ... الرعاية الحانية الرفيقة التي تحبب الخير إلى قلب الطفل وتزرعه فيه .. الرعاية المستمرة ما دامت الحياة
نعود لنقول أن التقصير كبير وكبير جدا يا جماعة ... وكلنا مقصر خاصة في ظل الأوضاع الحياتية المعاصرة ... حياتنا مليئة بالمغريات والمفسدات التي تلوّنت في أجمل لباس وأحلى مذاق ... تعمل ليل نهار فينا وفي أبنائنا ... شعرنا أو لم نشعر ... خلّونا نتكلم بصراحة شوي... عندما ننشغل بعمل البيت مثلا ماذا يفعل الكثير منا مع طفله ابن السنوات الثلاث أو الأربع أقل أو أكثر ... التلفزيون! أليس كذلك! بالله عليكم أي خير يفعله هذاالجهاز بأبنائنا ... ما هو الأثر ... ما الذي يفقده الطفل عندما يجلس أمام هذه الشاشة متمسرا كالسكران لا يدري ما يدور حوله ... يدخل الأب يسلّم ما يلتف إليه أحد ولا يكاد يشعر به هذا الطفل ... مأخوذ بالمناظر والألوان والأصوات والأنغام ... بالله عليكم ما فعلنا بأطفالنا ... حتى لو سلمت المناظر من المشاهد المؤذية أو الأنغام المحرمة فقد حُرم هذا الطفل مما يغذي عقله وروحه وعاطفته كيما ينشأ قوي النفس صحيح الفكر
إذن نحتاج أولا أن نتواصل مع ذواتنا لنعزز معنى أهمية الطفولة المبكرة لنمو أطفالنا ... ومن هذا الباب نحتاج أن نتذكر طفولتنا نحن وما تعلمناه فيها لأن البعض ربما يتصرف على النحو الذي عاشه ونشأ فيه ... الوعي بذواتنا مدخل أساس للتغيير ... آن لنا أن نختار طريقة أخرى غير التي عشناها صغارا وألا نكرر أخطاء غيرنا حتى ولوكانوا آباءنا ... ما يصلح أن يضرب الأب أبنه ويقول له كذا أبي كان يعاملني ... يا أخي الحبيب لهذا السبب ذاته ينبغي لك أن تحسن المعاملة وتجاهد نفسك بخلاف ما تدعوك إليه ... لو كان أبوك قاسيا معك يضربك على الصغيرة ويعنّفك على الشاردة والواردة .. إذن أن تعرف الألم المصاحب لهذه المعاملة فلم تعامل ابنك بها ...
الذي أود الأشارة اليه الآن هو أن يقف الواحد منا مع نفسه ويحاسبها ... والهدف أن نغيّر نظرتنا وبالتالي سلوكنا تجاه أطفالنا من لحظة ولادته. خلونا يا جماعة نسأل أنفسنا ماذا نريد لهذا الطفل؟ إلى أين نحن نتّجه؟ وين رايحين! ثم نسأل كيف نصل إلى هناك؟ ... نريد أن نربي أطفالنا كي يكونا صالحين في أنفسهم .. يساهموت في صلاح غيرهم ... نريد أن نكون لهم عونا كي تكون اختياراتهم في الحياة صحيحة ونافعة وبنّاءة .. نريد لهم السعادة ليس فقط سعادة الدنيا بل وسعادة الآخرة ... إذن لنتواصل مع أطفالنا على نحو صحيح وبنّاء كي نعينهم على تحقيق هذه السعادة ... لنبدأ من الآن معهم ولنبدأ بانفسنا لأن التغيير الذي نريده للآخرين يبدأ بالتغيير في ذواتنا نحن أولا لأن الله تعالى يقول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغييروا ما بأنفسهم) .. خليني أسيبكم مع هذه الخاطرة اليوم ... ياليت نفكر جميعا في هذه الرسالة كي تتهيأ النفوس للرسائل القادمة ... والأمل أن ندرك أهمية التواصل البنّاء والواعي مع الطفولة المبكرة .. أن ندرك أهمية دورنا أنا وأنت كأب وأم أن نتعلّم فنون التواصل الفعّال ومهاراته أملا أن يرزقنا الله التوفيق في أداء الواجب نحو أطفالنا منذ سنولت طفولتهم الأولى ... هذه أردتها مقدمة بين يدي حلقاتنا هذه وكلي أمل أن تكون النفوس تهيّات رغبةً في التغيير للأفضل بإذن الله تعالى ... وحتى ألقاكم ثانية أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله تعالى أن يوفقّنا للعلم النافع والعمل به كي نسعد في الدارين ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
No comments:
Post a Comment