يقول الله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لجلسائه يومًا : تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله. البخاري
جيل الصحابة كان جيلا فريدا أختارهم الله عز وجل لنصرة الدين ولحمل الرسالة .. هم خير هذه الأمة وهم قدوتها كمصابيح الدجى .. الواحد منهم أمة وحده! هم جيل (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) جيل (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) جيل (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) جيل (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) جيل (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) .. جيل صنع تاريخا وحفظ شريعة وبلغها للعالمين ..
بماذا تميّز جيل الصحابة عنا فكانت لهم المنزلة والرفعة والنصر .. جيل فريد نحتاج أن نهتدي بهديه ونستن طريقه كي نقترب من أحوالهم ... أيها الأخوة الكرام أحوالنا اليوم أهلَ الأسلام لا تسر .. أصبح الأسلام في غربة حتى بين أهله .. نحتاج أن تكون لنا وِقفة نتأمل فيها أحوال الصحابة الكرام بأي شئ رضي الله عنهم ورضوا عنه .. كي نسير سيرهم ونقتفي أثرهم لعل الله تعالى أن يرضى عنا ويمنّ علينا بعونه وتأييده ونصره
أيها الأخوة الكرام عند النظر والتأمل في حياة سلف الأمة من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم نجد أول سبب لتميّزهم هو تحقيقهم لمعنى الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فجعلوا هدا الدين حكما في حياتهم كلها يرجعون إليه في جميع شئونهم .. مصدر التلقي واحد! .. الله عز وجل يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) ويقول تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه) .. (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) مصدر التلقي واحد .. الحضارات كانت من حولهم في العراق والشام والصين وغيرها ولكنهم علموا أن صلاحهم ونجاحهم أن يستقوا الهدى والرشاد من المصدر الرباني والهدي الالهي الدي جاء به الحبيب صلى الله عليه وسلّم.
رباهم النبي صلى الله عليهم وسلم على هدا الأصل فعاشوا حياتهم يتبعون أمره ويستنون بسنته لا يحيدون عنها.
لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وفي يده صحيفة من التوراة فقرأ عليه فغضب وقال له (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني) رواه أحمد وحسنّه الألباني
يا أخواني تأملوا حالنا اليوم ... مفتونين بما عند الغرب والشرق نلهث وراءهم نظن أننا إن أخذنا منهم أفلحنا ، وضيعنا ما أرسل الله إلينا من الهدى والنور .. والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية ... فلنصارح أنفسنا .. هل نستقي من ديننا حاجاتنا ونرجع إليه في شئوننا كلها .. الرجل مع أهله في تخاصم ونكد تسمع لحالهم يقول الرجل أننا نعيش كما هي الطريقة الكندية المصاريف النص بالنص! نعم للتعاون بين الزوج وزوجه في تصريف شئون الحياة بس ليش نقول عايشين ع الطريقة الكندية! تطالب المرأة بحقوقها فلا تبالي بحكم الله ورسوله وتصر أن يكون القضاء على غيره .. أين التسليم لأمر الله .. ما هو مصدر التلقي اليوم في حياتنا ! من أين نتعلم الآداب والأحكام ؟ في جميع أحوالنا ... في حال العمل أو الدراسة في حال السفر أو الاقامة في حال الفرح أو الحزن .. لما نتزوج أو يأتينا مولود أو عندما يحصل فراق (لا قدر الله)! حينما تتاجر تبيع وتشتري .. يا أخواني الأسلام منهج حياة لا بد لنا أن نرجع للمصدر الحقيقي للتلقي .. لقد جئتكم بها بيضاء نقية .. لقد تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي .. كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم كما فهمها سلفنا الصالح وأدوها إلينا .. لابد لنا أن نُقبل عليهما لنتعلم ونتلقى ما ندير بها حياتنا ..
ولعل قائلٍ يقول نرى الكثير اليوم لديه العلم ولكنّ أين نحن منهم! لقد كا منهج صحابة رسول الله جادا فلم يكونوا يطلبوا العلم للعلم فقط تكثرا وترفا فكريا!!! كانوا يطلبوا العلم للعمل والتنفيذ ، كلما تعلموا أمرا عملو به على الفور من غير تردد ولا تمهل ولا تكاسل .. تنزل آيات الحجاب (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) فرجع الرجل ليلا يعلمها أهله وابنته وأخته وكل ذي قرابة فما منهن من امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله في كتابه فأصبحن وراء الرسول صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤسهن الغربان .. الامتثال المباشر إيمانا وتصديقا لكتاب الله (أين حال نسائنا اليوم تجادل وتناقش .. تردد ما ني مقتنعة!!) .. تنزل آيات تحريم الخمر بالقطع في تحريمها في سورة المائدة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) فيقول عمر (انتهينا انتهينا) .. بمجرد أن نادى المنادي في المدينة (الا يا يقوم إن الخمر قد حُرّمت) .. فمن كان في يده كأسٌ حطمها ومن كان في فمه جرعةٌ مجّها وشُقّت زقاق الخمر وكسرت آنيته .. وانتهى الأمر كأن لم يكن خمر ولا سُكر! استسلام وطاعة ... عبودية حقيقية لرب البرية!
عرفتم الآن الفرق الحقيقي بيننا وبينهم ... العلم للعمل! تنفيذ مباشر! هذِه النفسية العجيبة هي التي جعلتم منهم جيلا فريدا .. لم يكونوا يطلبون العلم ليتكثروا به أو يفاخروا به غيرهم في المجالس .. لسان حال أحدنا اليوم يقول "شوفوني أنا صاحب علم" .. كم حافظ للقرآن أيامنا هذِه مقارنة بأيام الصحابة ... الحفاظ كثير .. كم منهم يفهم كلام الله ويعي ما يحفظ ويقرأ .. قليل! كم منهم من تعلم ما في القرآن الذِي يحفظ ما فيه من العلم والأحكام والآداب! أقل من القليل! كم من هؤلاء عمل وتأدب وتمثّل ما فيه من العلم! أقل أقل من القليل .. روى الأمام مالك أن ابن عمر حفظ البقرة في اثنتي عشرة سنة .. تدرون لماذا! مشلكة في الحفظ! أبداً! كانوا كما قال عبدالله ابن مسعود: كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن .. تعلموا القرآن والعلم والعمل!
هذِه الخصيصة الثانية التي جعلت من الصحابة جيلا فريدأً ... ولكي نلحق بهم في الفضل ونتأسى بحالهم نحتاج أولا أن نتلقى من المصدر النقي الصافي الذِي جاءنا به رسولنا صلى الله عليه وسلّم وثانيا كلما تعلمنا أمرا أن نعمل به مباشرة ويصبح جزء من حياتنا .. نحتاج يا أخواني أن نغيّر حياتنا اتصبح حياة إسلامية في كل شيء!
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لنا ذُنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويثبت أقدامنا وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى وأن يفقهنا في ديننا ويرزقنا العمل به .. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ...
أيها الأخوة الكرام، كي نحقق ما تكلمنا به أولا (تصفية وتوحيد مصدر التلقي – لقد جئتكم بها بيضاء نقية) وثانيا (العمل والتنفيذ – أن نعيش القرآن والسنة في حياتنا واقعا) نحتاج ان نتجرد من حياة الفسق والجاهلية التي ربما عشناها أو نعيشها من غير ان ننتبه لأحوالنا .. لنبدأ حياة جديدة .. حياة صالحة .. ننسى ما فعلنا لنبدأ صفحة جديدة بيضاء نسطره بالعمل الصالح .. كأننا نبدأ ميلاداً جديدا لا علاقة له بواقع الجاهلية المحيط بنا! ... حينما تكون مع الله تعمل بأمر الله في جميع شئونك فأنت على الصراط المستقيم فلا تشعر بالوهن أو الضعف أن ما حولك مخالف لأمر الله تائه عن طريقه ... يا أخي لو ما شعرت أنك مختلف عمن حولك ممن هو في جاهلية بعيد عن الاسلام فشك في نفسك! الطبيعي أنك حينما تستقم على شرع الله وتسلك الصراط المستقم الذِي تسأل الله أن يهديك إليه ويثبتك عليه في كل ركعة تركعها الطبيعي أن تكون متميزً عن الكثير ممن هو بعيد عن الله (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) .. الشعور بالتميّز ضمان للثبات بإذن الله تعالى .. فكن مطمئنا بالله واحمد الله تعالى أن منّ عليك بالهداية وشرح قلبك لأنوارها وأقبل على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لتتعلم منهما كل ما تحتاج إليه بسؤال أهل العلم ممن تثق بعلمه وورعه والبحث والقراءة .. فإذا علمت أمرا فاعمل به وغير حياتك مستفيدا من العلم الجديد الذي حصلت عليه .. يرفع الله قدرك ويزيدك من فضله .. واحمد الله كير على نعمة الهداية .. الهداية للعلم الصحيح من القرآن والسنة .. ونعمة العمل والتصحيح .. وامشِ بين الناس مرفوع الرأس فأنت على خير عظيم محروم منه أكثر من على الأرض! فهنيئا لك يا أخي الحبيب .. (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)
اللهم اهدنا فيمن هديت .. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبة أجمعين
No comments:
Post a Comment