"كفى بالمرء
كذبا أن يُحدّث بكل ما سمع" رواه مسلم
البارحة جاءني أحد الأخوة الأفاضل يقول لي بنبرة
شماتة من المشائخ او ربما نبرة غضب مشوبة بسخرية أن هناك مقطع فيديو لشيخ من أهل
الجزيرة سيكون سببا في خروج الكثيرين من المسلمين من دائرة الاسلام .. يا لطيف! مقدمة مفزعة
وكلام غريب جدا فلم أتكلم ... ثم قال متابعا أن الشيخ من على منبر الجمعة يقول للناس كلاما
معناه اذا لم تكن سعوديا فلا تشهد معنا الصلاة الجمعة القادمة ... قلت له يا أخي
هذا الكلام مستحيل ولا يمكن لانسان لديه أدنى معرفة بالاسلام أن يقول مثل هذا الكلام
فكيف بشيخ خطيب .. لا بد ان هناك شيء!!! قال لي أبداّ الكلام موثق وانتشر مقطع
فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم .. واعطاني اسم الشيخ كي أسمع الكلام بنفسي عشان أصدقه ... قلت له
وعلى فرض صحته (وان كنت أشك في صحته) فان هذا الدين عظيم، وعظمته يعرفها ويدركها اهل الاسلام بل وغير
المسلمين أيضا ، عظمة هذا الدين لا يهزها كلام جاهل ولا مكر حاقد ، هذا الدين له رب يحميه ويدافع عنه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له حافظون) وان لم نقم بواجبنا في تعلمه وتعليمه فنحن لسنا أهلا لهذا الشرف (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم
ثم لا يكونوا أمثالكم) ... ثقةً بالله وإيماناً بوعده أن الاسلام سينتشر ويظهر
باذن الله ... فنظر صاحبي الي مستغربا ويبدو أنه كان يتوقع مني أن اشاركه التطبيل
والتشنيع على مشائخ هذا البلد ، فنظر الي نظرة لا أدري ما هي تحديدا وتركني ...
فبحثت عن المقطع فوجدته واستمعت للخطبة واذا بالشيخ خطبته موضوعها الأساس هو رفض العنصرية الجاهلية و التفريق
بين المسلمين القائم على القبلية والجنسية ونحوها من موروثات الجاهلية التي قد تكون تفشت في بعض عروق المجتمع على مستوى علاقات الناس ببعضهم أو في الوظائف إالخ .. نعم كانت
المقدمة غريبة وصادمة (وهي التي انتشرت
فقط مقطوعة عما جاء بعدها .. مثل الذي يقول لك أن الله يقول في القرآن "ولا
تقربوا الصلاة" ويسكت ... وبئس السكوت وبئس القطع .. وهو عظيم عند الله وان
ظنه الفاعل هينا) ... نعم المقدمة كانت جريئة وصادمة كي يهيء الحاضرين ويصور لهم
شناعة ما يقعون فيه صباح مساء في أعمالهم وشئون حياتهم وهي لا يشعرون ... واضح أن
صاحبي اكتفى بالمقطع الذي وصله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعل له وانفعل به
وجال وصال ولم يتريّث كي يتحقق ، هذا وهو من صفوة المجتمع المثقف المتعلم ممن يوصف
بالخبير بل وممن يتصدرون لتعليم الناس في مجال تخصصاتهم (ولست أتنقص بل أتعجب كيف
أنه تعجل وصدق وتفاعل وانفعل للذي وصله ولم يتريث ويتحقق ) فكيف اذن بغيره من
الناس ممن هو أقل منه علما وفهما وخبرة الخ ... يا جماعة انتبهوا من أي شيء يصلكم عبر هذه
الوسائل التى عمت وطمت واصبح الناس أسرى لها وللاجهزة التي يحملونها في أيديهم
غالب الاوقات ...تريّثوا وتحققوا .. لا تكن جسرا بل سدا للأخبار غير الموثقة بل والمضللة
.. هناك عبث كثير لا تكن جزءا منه ... ادرسوا الايات العشرة من سورة النور التي
نزلت في قصة حادثة اللإفك وتأملوا دروسها وتوجيهاتها والآداب التي فيها ... وتذكروا
أنه كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع ..